
من بين الأهداف الأساسية للحكومة الجديدة إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع والتي تهشمت خلال السنوات الماضية، نتيجة آليات عمل وسياسات الحكومات. وعلى مدى سنوات أدت القرارات غير المدروسة إلى توسيع فجوة الثقة التي أخرجت الناس عن طورهم ودفعتهم إلى الشارع والانضمام إلى الحراك المطالب بالاصلاح، بعد ان فقدوا الأمل بهذه المؤسسات، لناحية قدرتها على تفهم مطالبهم والاستجابة الى تطلعاتهم الاصلاحية التي تم التعامل معها بفزاعات تقليدية استفزت الناس، ورفعت من مستوى مطالبهم.
حكومة الخصاونة مكلفة باصلاح سياسي وآخر اقتصادي، وأغلب الظن أن المضي بالأول ممكن، لكنه بحاجة لقرار يفتح الحوار مع مختلف قوى الحراك الاصلاحي للوصول الى معادلة توافقية ترضي الجميع. أما الملف الاصعب والذي يعد بحق بوابة النجاح أو السقوط للحكومة الجديدة، فهو الاصلاح الاقتصادي. والتشكيلة النهائية لحكومة عون الخصاونة، ستظهر غدا، والمجتمع بحالة انتظار وترقب للأسماء التي ستشملها الحكومة الجديدة. وبحسب ما رشح من معلومات فإن الرئيس المكلف يرفض تعيين نواب له في الحكومة، ما قلل من فرص أسماء مهمة من الانضمام لفريق حكومة الخصاونة. والمادة الدستورية التي تمنع مزدوجي الجنسية من تولي موقع رفيع، لعبت دورا في حرمان بعض الأسماء التي نحترمها من العودة إلى الموقع العام، ما يعني أن ثمة محددات بعضها يعود لشخص الرئيس وأخرى تعود للمحددات الدستورية.
الرئيس المكلف، وخلال إحدى جلسات المنتدى الاقتصادي المنعقد حاليا في البحر الميت، وعند سؤاله عن برنامجه الاقتصادي ورؤيته للخروج من المأزق الاقتصادي، أكد أنه لا يملك خبرة اقتصادية، وأن الرؤية الاقتصادية والبرنامج الذي ستطبقه حكومته سيرتبط برؤية الفريق الاقتصادي. اذن، الشخصيات التي ستتولى امر الملف الاقتصادي مهمة، بما أن الرئيس لا يملك معرفة اقتصادية، رغم أن نجاح مهمة الحكومة مرتبط بوجود رؤية اقتصادية خلاّقة تسهم بإخراج البلد من المشكل الاقتصادي الذي يهدد بنسف ما تبقى من المنجزات المالية والنقدية.
وعلى الرئيس أن يشترط على فريقه الاقتصادي وضع برنامج إصلاح اقتصادي حقيقي يمتد تطبيقه على مدى سنوات، ويتم عقد ملتقى وطني حوله للحصول على مباركة وطنية لمضمونه، بحيث يتسنى إقراره كقانون مؤقت او بأي صيغة أخرى تجعل البرنامج ملزما للجميع. البدء بوضع برنامج اصلاح وطني سيساعد عقب الانتهاء من تطبيقه لبلوغ ضفة الأمان وتجاوز حدود الخطر الذي يهدد بغرق الاقتصاد الذي يعاني من عجز مزمن في الموازنة العامة بلغ اليوم 7 % من الناتج المحلي الاجمالي، ومديونية تتضخم بشكل كبير وقيمتها فاقت 65 % من الناتج المحلي الاجمالي. وعلى الرئيس أن يدرك أن اصلاح الاقتصاد كالسير على حبل مشدود، الأمر الذي يحتاج الى توازن ذكي ومدروس الخطوة، خصوصا وأن فهم الاصلاح الاقتصادي يختلف تبعا لأطرافه، ففي الوقت الذي يرى الخبراء أن الاصلاح يتمثل بإزالة التشوهات التي يعاني منها الاقتصاد وتحديدا الدعم، يؤمن الناس أن الاصلاح الاقتصادي يقوم على تخفيض الاسعار وزيادة الرواتب.
بين رؤية الخبراء ومعتقدات العامة، فإن الاستقرار يتطلب توازنا بحيث تبدأ الحكومة بإصلاح اخطائها ومحاسبة نفسها، قبل ان تفرض قرارات صعبة على الفقراء ومحدودي الدخل. |