خاص بـ"عمان تايمز"
بدأت كتابة هذا المقال في أحد مقاهي شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية ، الذي يشهد اغلاقا جزئيا أمام وزارتي الداخلية وشؤون المرأة، حيث تحرسهما دبابات ومجنزرات ويحيط بهما شيك حديدي؛ وضع عند إندلاع الثورة الأولى في الوطن العربي، وما زالت تلك الدبابات جاثمة إلى يومنا هذا .
كنت أنظر حولي إلى ما خلفته الثورة التونسية بعد أشهر من اندلاعها، واستغرقت في الكتابة، حول ما شاهدته في القاهرة ، التي كنت قد عدت منها للتو ، وما شهدته مصر من حالة انفلات أمني غير مسبوقة ، وما زالت تعم حالة من عدم الإستقرار لغاية الآن ، لإجماع المصريين على أن "الرئيس" زال ، إلا أن النظام "لم يُزال" .
ويجمع المصريون على أن " الريس كان كويس "،إلى أن تقدم به العمر ، وبدأت مطامع زوجته في توريث الكرسي الرئاسي لأبنائها ، وبدأت "الزن" على الرئيس الذي أنهكه التقدم في العمر ، الذي أخذ ينصاع لأوامرها ، وأخذت شعبيته تنحدر نحو الهاوية ، حتى طفح الكيل عند الشعب من تصرفاته، التي كانت تلبي طموحات سيدة مصر الاولى ، ومن الفساد الذي إستشرى في مصر ،ما أدى إلى اندلاع الثورة الشعبية ، بعد أن شجعتها الثورة التونسية التي تتشابه معها في كثير من الحيثيات ، والأسباب .
نجحت مصر في ثورتها ، وتخلصت من حكم دام ثلاثة عقود ، إلا أنها أصبحت متوجسة من الأوضاع التي آلت اليها،فقلت فيها النشاطات ، ولم تعد وجهة للسياح ، وأصبحت "مصر التي لا تنام".. تنام .
وأثناء انشغالي بالكتابة ، تناهى إلى مسامعي صوت نسائي من الطاولة التي بجانبي؛ يلقي التحية علىً ، وسألتني صاحبة الصوت، عن سبب انسجامي وانهماكي في الكتابة ، وعندما علمت بأني صحفية ، أخذت تحدثني عن ثورة العرب الأولى التي اندلعت في تونس ، وكيف كان للسيدة الأولى في تونس دور كبير في ازدياد الحنق على الرئيس لانشغالها في جني الأموال ، لتشبع حالة النقص التي عاشتها قبل أن تلتقي بالرئيس التونسي ، وتفسد عليه حياته الأسرية ، ليتزوج منها ، ويحولها من " كوافيرة شعر " إلى سدة الحكم ، واخذت تتجبر وتتدخل وتتحكم في القرارات السياسية ، وتسعى إلى اشباع احتياجات عائلتها النهمة للمال والشهرة ، فكانت بداية النهاية لحكم دام عقدين من الزمن .
ويتشارك البلدان في أن " النساء " وراء اندلاع الثورة ، حيث كان لزوجتي الرئيسين التونسي والمصري دور كبير في تفشي الفساد ،وكانت الأكثر تضررا من الثورات هي المرأة ، حيث تراجعت مسيرتها في جميع الميادين ، وباتت المرأة التونسية متخوفة من خسارتها للكثير مما حققته في السابق ، خاصة بعد أن فاز بالانتخابات حزب النهضة ،وكذلك الحال بالنسبة للمرأة المصرية، التي باتت متخوفه من العودة إلى الصفوف الخلفية بعد الثورة .
واخذت محدثتي تصف لي دور الجيش التونسي خلال الثورة ، بأنه كان يساند الثورة ، ولا يقف أمامها ، وأن افراد القوات المسلحة الذين ضاقت بهم الظروف السيئة والخوف من النظام المخابراتي الصارم، الذي كان يمارس ضدهم ، لم ينفذوا التعليمات ضد الأفراد الثائره ضد النظام ، وكانوا يغضون الطرف عن كثير من الأمور التي اخذت توردها بدقة متناهية .
ما اخبرتني به تلك السيدة،جعلني ابادرها بالسؤال عن سبب معرفتها بتلك التفاصيل، لتخبرني بأنها أحدى منتسبات الجيش التونسي ، وفي رتبة متقدمة.
إن الثورتين التونسية والمصرية ساهمت فيهما المرأة بصورة كبيرة ، فكانت متواجدة في الشوارع والميادين ، وكان لها دور بارز في الثورة، واحداث التغيير المنشود في ثورات الربيع العربي ، الذي يشهد له بلمساته النسائية ، وللمفارقة أن تلك اللمسات كانت سببا رئيسيا في انحدار الحال في هاتين الدولتين، وكانت المرأة وراء اندلاع الثورات الرافضة لظلم " الست " ، كما كان للمرأة دور بارز في الثورة على ظلم الست، وكانت دافعا قويا ،إلى جانب الرجل في احداث التغيير في أنظمة الحكم دامت سنوات، شهدت ظلما كانت بسبب تجبر " الست " .
وتداركنا الوقت ونحن نتبادل أطراف الحديث ، وجاء وقت الرحيل ، وصممت محدثتي أن ترافقني إلى الفندق، الذي يقع في نفس الشارع ، لنستظل بذات "الشمسية" ،فالمطر بدأ ينهمر بغزارة ، وسرنا معا،وبرفقتنا ابنتها ، وعندما وصلنا إلى الفندق تداركت نفسي ، وشكرتها على لطفها،واستمتاعي بالحديث معها ، وسألتها عن اسمها ، ابتسمت لي ، وقالت: وددت لو أنك لم تسأليني ، فاسمي على اسم من كانت سببا في ثورتنا .. "ليلى" ، وابنتي ، اطلقت عليها اسم " سوزان"،وضحكت ساخرة،إننا نحمل أسماء سيدتين كانتا سببا في الظلم والفساد..... والثورة والانتصار .
سلام إلى " ليلى " و" سوزان " في تونس ، وليس إلى من تقضي أيامها في دبي مع ما نهبته من خيرات الشعب التونسي ، وليس لتلك التي تقضي أيامها في شرم الشيخ .. بعد ان حكمتا فكانتا سببا في سقوط الرجال.
فعندما تحكم النساء تسقط الرجال .
Jaradat63@yahoo.com