عمان تايمز"
قبل أعوام سمعنا عن فكرة افتتاح مقهى للبكاء في الصين. فقد أعلن مهتمون بالشأن النفسي، صراحة، تخوفهم من الصلابة التي أصبحت تغلف مشاعر الناس، وما تجره هذه الصلابة من مشاكل في السلوك تنعكس على كل المجتمع. واليوم الفكرة تصبح مكاناً واقعاً يتراكض إليه المحزونون. دعوني بداية أقترح على من يغريه الذهاب إلى الصين للبكاء، أن يوفر تكاليف السفر ويستعين بما لدينا من محفزات محلية كثيرة تستدرّ الدموع.
ماذا لو افتتح مقهى مشابه في الأردن.. مناديل ورقية وزيت النعنع لتخفيف الآلام وبصل وفلفل أحمر وموسيقى حزينة كمواد مساندة، فكرة كهذه تستطيع أن تكون فقط مادة للتندر ، فإضافة إلى العيب الإجتماعي أصبحت مشاعرنا أصلاً مغلفة بقشرة سميكة ولدينا حصانة ضد المنبهات العاطفية ، وأخص في ذلك الرجل الذي تربى ونشأ على صرخة "لا تبك أنت رجل"!.
وفي الحديث عن صلابة العواطف، فقد فسر التاريخ أن جموح نيرون بإحراق روما كان ردة فعل على فقدانه القدرة على البكاء، وكثيرون غيره قادهم الكبت العاطفي إلى الخبل وصناعة الكوارث.. هل يذكرني القارئ بكارثة أو مصيبة تاريخية سببتها امرأة على مر العصور؟.
أمّا وقد كان التغني ب "اراك عصي الدمع شيمتك الصبر" هو مفتاح الرجولة ، فها هي دول كبرى تسارع لتشجيع البكاء عبر افتتاح "كوفي شوب" لتفريغ الحزن والعياط، رواده لغاية كتابة هذا المقال من الرجال الذين يبحثون عن متنفس للتخفف من الاحتقان العاطفي المتوارث. هذا الكبت الذي يقودهم لممارسة العنف ويعمل على توتر أعصابهم وارتفاع ضغط دمهم أكثر من النساء.
لكن لا بد من الاعتراف أن هذه الحصانة انتقلت إلينا نحن النساء أيضاً، فقد تخففت المرأة من هشاشتها العاطفية وتسامُح المجتمع مع دمعتها، وها هي أصبحت أكثر صلابة وقدرة على مواجهة مشاكلها بنفسها، إذ امتلكت قوة اقتصادية ومهنية وامتلأت بثقة أكبر وفاخرت بقوتها التي كانت تستمدها عادة من خلال رجل!.
عرفتم لماذا يفتتح في العالم مقاه للبكاء؟ ولماذا يسترحمون البكاء لينهمر بمساعدة البصل والفلفل والموسيقى البائسة.. انهم يستمطرون الدمع غصباً عنه. لكن انسان اليوم أصابته "متلازمة المواء"، ذاك الداء الذي يفقده القدرة على البكاء والتعبير عن المشاعر. صارت صلابتنا تحد عقلي أبعد من مجرد مقاومة الدمع.
يضحك الإنسان أحياناً على مرارة الواقع أكثر مما يضحك للنكات ، فالحديث عن دموعنا المحنطة ليس دعوة للبكاء كما يبدو للبعض، لكنه التفاتة إلى التصالح مع مشاعرنا المظلومة. والحديث عن مقهى في الصين لا يعنينا بحد ذاته بقدر ما تبدو الفكرة مبادرة طارئة في عالمٍ بدأ يفقد قدرته على التخفف من الهموم.
الرأي