"مكافحة الفساد" تعلن سلامة شحنات الأسمدة الإسرائيلية
عمان تايمز - Monday 17-10-2011 13:33
عمان تايمز _ في خطوة كان من المفترض أن تغلق ملف شحنات الأسمدة المستوردة من إسرائيل، والمشتبه بأنها مصنّعة من مياه الصرف الصحّي، أعلنت هيئة مكافحة الفساد قبل أيام انتهاء تحقيقاتها في القضية، التي أثيرت قبل خمسة أشهر، مؤكّدة "سلامة" الشحنات الثلاث، التي أدخلها مستثمر إسرائيلي ما بين عامي 2007 و2010، واستخدمها في مزرعة للخضار والفواكه يملكها في منطقة القويرة. لكن خبراء تابعوا إعلان الهيئة لنتائج تحقيقاتها، ودققوا في صور التحاليل المخبرية لعينات الأسمدة، والتي تمّ إرفاقها بالخبر، الذي وُزّعته الهيئة على وسائل الإعلام، بوصفها دلائل على سلامة شحنات الأسمدة، رأوا أن الباب، الذي كان من المفترض أن يغلقه هذا الإعلان، قد انفتح على مصراعيه أمام العديد من الأسئلة الكبيرة، التي لم تجب عليها نتائج التحقيقات! وهي أسئلة تتعلق بالكيفية، التي دخلت بها إلى البلاد أسمدة غير مسجّلة في وزارة الزراعة، في خرق واضح للقانون، ومفاجأة ظهور فحوص مخبرية، تثبت بأثر رجعي سلامة هذه الأسمدة، التي كانت وزارة الزراعة، نفسها، قد أكّدت في كتاب رسمي لها أنها أُدخلت واستُخدمت دون فحص، وأخيراً أسئلة تتعلق بما يقول هؤلاء الخبراء، انها "ثغرات فنية أساسية" في هذه التحاليل، تجعلها، كما يؤكدون، لا تمثّل أي دليل على سلامة الأسمدة. أين كانت هذه التحاليل؟ وكشفت الهيئة عن خمسة فحوص مخبرية، اثنان منهما، أجراهما المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي، ويطابق تاريخ أحدهما تاريخ شحنة العام 2007، في حين يطابق تاريخ الآخر شحنة العام 2009. والفحوص الثلاثة الأخرى صادرة عن المركز العربي للدراسات الهندسية، وتواريخها "تقارب" تاريخ شحنة العام 2010. ووفق مدير مديرية المختبرات وضبط الجودة في المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي المهندس أمين العكور، فإن الفترة الزمنية، التي يستغرقها فحص أي عينة، وظهور النتيجة هي "أقل من أسبوع، تُسلّم بعدها النتيجة حال ظهورها إلى وزارة الزراعة". والسؤال هو، إذا كانت فحوص جميع شحنات الأسمدة موجودة منذ البداية في حوزة الوزارة، فلماذا إذن قالت إنها دخلت دون فحص؟! ففي أيار (مايو) الماضي، وعندما وجّهت هيئة مكافحة الفساد كتاباً إلى وزارة الزراعة، تطلب منها بيان "الأسس التي تم اعتمادها في إدخال ثلاث شحنات من الأسمدة العضوية، المصنّعة من مياه المجاري" لصالح شركة يملكها مستثمر إسرائيلي. ردّت الوزارة في حزيران (يونيو) الماضي بكتاب رسمي أكّدت فيه قيام هذا المستثمر، في الأعوام 2007، 2009 و2010، ، بإدخال ما مجموعه 1119 طنّاً من الأسمدة العضوية، وهي بحسب الكتاب "تمّ إدخالها واستعمالها بدون أن يتم تسجيلها وفحصها حسب الأصول والطرق الفنية المعمول بها لدى وزارة الزراعة". ووفق الكتاب فإن أحد الشروط الأساسية لإدخال أي سماد، أو مخصّب زراعي، هو أن يكون "تركيبه ومحتواه مسجّلاً ومسموحا تداوله، حسب المواصفات الفنية المعمول بها لدى الوزارة الزراعة الأردنية قبل إدخال السماد". وزارة الزراعة أرفقت في كتاب ردّها على سؤال الهيئة "المراسلات"، التي قالت إنها جرت بين مسؤولين في الوزارة والمستثمر، وهي مراسلات، كما يقول كتاب الوزارة، أثبتت أن المستثمر أدخل الأسمدة غير المسجلة في الوزارة، واستخدمها بدون فحص. "الغد" اتصلت مع أحد المعنيين بالقضية في قسم الأسمدة، وسألته عن هذا "التناقض"، فاعتذر عن الإجابة، قائلاً إن هناك تعميماً على الموظفين بعدم الإدلاء بأي معلومات للصحافة. من هنا، اتصلت "الغد" بأمين عام وزارة الزراعة راضي الطراونة، الذي قال إنه "بالرجوع إلى السجلات، تبيّن أنه كانت هناك فحوص مخبرية، وهي تثبت أن الشحنات كانت سليمة 100 %، وبالتالي حُسم الأمر من قبل هيئة مكافحة الفساد". وردّاً على سؤال، عن "التناقض" بين كتاب وزارة الزراعة الذي أكّد عدم خضوع الشحنات للفحص، وظهور فحوص مخبرية، قال الطراونة "قد يكون هناك خطأ في الكتاب، والأخطاء تحدث في أي مؤسسة. ما هو مهم الآن أن الهيئة، وهي جهة نثق بها ونحترمها، قد حسمت أهم ما في هذه القضية، وهو سلامة الأسمدة، وما تبقى هي شكليات". خبراء: هذه التحاليل ليست دليلا على سلامة الأسمدة في كتابها سابق الذكر، حددت وزارة الزراعة نوعية الأسمدة في الشحنات الثلاث، وجميعها "كومبوست زبل عضوي"، في حين أن الفحوصات الثلاثة الصادرة عن المركز العربي وتخص شحنة العام 2010، هي كما هو مدوّن في الفحص لمادة "البيتموس"، التي يؤكد خبير الأسمدة المهندس محمد لؤي بيبرس أنها مادة "مختلفة تماماً" عن كومبوست الزبل العضوي. وبحسب بيبرس، فإن "الكومبوست العضوي" هو "مادة عضوية من مصدر نباتي أو حيواني أو من مخلّفات البلديات أو خليط منها جميعاً، تحللت هوائياً بشكل صناعي، لتصبح قابلة للاستعمال بصفة سماد أو محسّن تربة". أما "البيتموس"، الذي يأتي "حصرا" من مصدر نباتي، فهو "المادة الطبيعية المتكوّنة من مخلّفات الغابات، والتي تحللت طبيعياً بحيث يمكن استخدامها كتربة زراعية أو وسط لإنبات النبات". إذن، فإن الكومبوست العضوي والبيتموس هما، كما يؤكد بيبرس، "مادتان مختلفتان تماماً، حتى أننا لا نحتاج للتفرقة بينهما، إلى فحص مخبري، فهما تختلفان في اللون والرائحة والكثافة والقوام، وبما أن كتاب وزارة الزراعة حدد نوع الشحنات بأنها جميعها كومبوست عضوي، فهذا يعني أن الفحوص الثلاثة الصادرة عن المركز العربي ليس لها علاقة بشحنات الأسمدة مثار الجدل". الأمر الذي أكّده الأستاذ بكلية الزراعة في الجامعة الأردنية، والمتخصص في ميكروبيولوجي التربة، الدكتور ضيف الله البدارنة حيث أبدى استغرابه من إدراج فحوص المركز العربي في سياق هذه القضية، قائلاً إنه "لا علاقة بين العينات التي فحصها هذا المركز، والعينات المفحوصة من قبل المركز الوطني". "الغد" اتصلت بمدير المختبر الزراعي في المركز العربي المهندس نبيل كتخدا، وسألته عن هذا "التضارب"، فأجاب أن "المركز ليس له علاقة بهذه الأمور، نحن جهة فنية محايدة، نستقبل العينات من الوزارة ونجري لها الفحص المطلوب ثم نرسل النتائج، وما تبقى فهو شأن الوزارة". إن هذا يعني كما هو واضح أن فحصي المركز الوطني هما فقط اللذان يخصّان عينات من هذه الشحنات، ولكن المفاجأة هي تأكيد خبراء أن هذين الفحصين لا يصلحان أبدا لأن يكونا دليلا على سلامة الأسمدة في هذه القضية بالذات. ويشرح ذلك بدارنة، قائلاً إن الشبهة حول الأسمدة في هذه القضية هي حول كونها مصنّعة من "الحمأة"، وهي المادة الصلبة المترسبة بعد معالجة مياه الصرف الصحي. ومن هنا فإن المطلوب، كما يؤكد، هو إجراء نوعين من الفحص، الأول "فحص ميكروبيولوجي يكشف وجود جراثيم مثل الفيروسات المعوية وبكتيريا القولون البرازية وبيوض الديدان المعوية الحية والسالمونيلا والإيكولاي وغيرها من الكائنات الدقيقة الموجودة في الفضلات البشرية". والفحص الآخر المطلوب هو "فحص العناصر الثقيلة، الذي يكشف عن الزرنيخ والزئبق والكاديميوم والخارصين والرصاص وغيرها من المعادن الثقيلة الموجودة في المخلّفات الصناعية، التي تستقبلها مياه الصرف الصحّي وتترسب أيضاً في الحمأة". فحصا المركز الوطني المعلن عنهما، هما كما يقول بدارنة، مجرد "تحليل يقيس نسبة الرطوبة والرماد والنيتروجين والكثافة النوعية وغيرها، ولكنه لا يكشف، لا عن وجود عناصر ثقيلة، ولا عن ديدان وبكتيريا وفيروسات، وهذا يجعلهما قاصرين عن تحديد إن كانت هذه الأسمدة مصنّعة من الحمأة أو لا". ويؤكد ذلك، الأستاذ بكلية الزراعة في الجامعة الأردنية، والخبير في علم التربة والخصوبة وتغذية النبات، الدكتور سيد خطاري، مشدداً أنه "دون أن يكون هناك فحص ميكروبيولوجي لعينات السماد، فإنه لا يمكن أبدا التثبّت من أنه خالٍ من الفضلات البشرية". خطاري، الذي يشدد في نفس السياق، على ضرورة أن يكون هناك ولجميع أنواع الأسمدة، فحص للعناصر الثقيلة، التي يقول إنها "خطيرة جدا جدا"، ينوّه مع ذلك إلى أن هناك احتمال أن "تكون هذه الفحوص قد أُجريت ولكن الهيئة لم تعلن عنها". لكن مصدراً مسؤولاً في الهيئة، يؤكد أن "الفحوص المنشورة والصادرة عن المركزين المذكورين، وهما الوحيدان المعتمدان لدى وزارة الزراعة، هي الفحوص الوحيدة للعينات المأخوذة من هذه الشحنات". هذا الأمر يؤكّده أيضاً العكور، قائلاً إن هذه هي الفحوص الوحيدة لأن "وزارة الزراعة لم تطلب من المركز إجراء فحص عناصر ثقيلة أو فحص ميكروبيولوجي للعينات المأخوذة من الشحنات التي أثيرت قضيتها". ويضيف العكور ان المركز على استعداد لإجراء فحوص العناصر الثقيلة والميكروبيولوجي "عندما يُطلب منه ذلك"، والوزارة تطلب أحياناً "فحص عناصر ثقيلة لبعض العينات التي يكون لديها اشتباه بها". أما فحوص الميكروبيولوجي الهادفة للتأكد من خلوّ الأسمدة من الفضلات البشرية، فإن المركز لا يقوم بها في العادة لعينات السماد العضوي كما يقول العكور لأن "التشريعات الأردنية تحرّم استخدام السماد من أصل بشري، وعندما تأتينا عينات مكتوبا عليها (سماد عضوي)، فهذا يعني بالنسبة لنا أنها من أصل حيواني أو نباتي، ونجري لها بالتالي الفحص المتعارف عليه، وهو نوع الفحص المعلن عنه، ولا نجد أن هناك داعيا لفحص يتعلق بالكشف عن فضلات بشرية لأن دخولها ممنوع أصلاً". الأمر الذي يرى بيبرس أنه يمثل "خللاً" كبيرا في سلامة إجراءات فحص الأسمدة في الأردن، "لماذا نسلّم بأن السماد العضوي المستورد على أنه من أصل نباتي أو حيواني هو فعلاً كذلك، ونتعامل معه كمنتج آمن؟؟ الأصل أن يكون لدينا إجراءات للتأكّد من صحّة ذلك، كما تفعل دول العالم". من أدخل الشحنات بشكل غير قانوني؟ كان من اللافت في إعلان الهيئة لنتائج تحقيقاتها، أنها ركّزت فقط على جانب واحد من جوانب القضية، وهو سلامة شحنات الأسمدة، ولم تأت على ذكر جانب آخر، لا يقل خطورة عن كيفية اجتياز هذه الأطنان من الأسمدة غير المسجلة في وزارة الزراعة المعابر الحدودية، في خرق واضح للقانون. فوفق المادة 20 من قانون الزراعة رقم 44 للعام 2002، يحظر إدخال أي نوع من الأسمدة بدون أن يكون مسجلا بشكل مسبق في وزارة الزراعة. "الغد" حصلت على وثيقة، هي إذن تسليم صادر عن مديرية الأراضي والريّ في وزارة الزراعة، بتاريخ 15 آذار (مارس) 2009، ويخص الشحنة الثانية البالغة 64 طنّاً، تطلب فيها المديرية من المعنيين في المعبر الحدودي السماح بإدخال شحنة الأسمدة المستوردة للمستثمر الإسرائيلي، وفي الخانة التي يفترض أن يذكر فيها رقم تسجيل المادة في وزارة الزراعة كان هناك عبارة "بناء على موافقة وزير الزراعة". يذكر أن البند (ب) من المادة 3 من تعليمات تسجيل المخصّبات الزراعية، الصادرة بموجب هذا القانون، أعطى وزير الزراعة حق الموافقة على إدخال أسمدة غير مسجلة في الوزارة، ولكن هذا الحق قُيّّد بشرط هو أن تكون هذه الأسمدة "عينات" لغايات "إجراء التجارب"، وقد حدّدت المادة رقم 9 من هذه التعليمات وزن عينة السماد العضوي بأنها 100 كغم. في حين أن وزن الشحنة الأولى، التي دخلت كان 55 طنّاً، والشحنة الثانية 64 طنّاً، وبلغ وزن الشحنة الثالثة 1000 طنّ. ويلفت بيبرس هنا إلى ملاحظة هامة، وهي أن كمية ضخمة مثل الـ1000 طن الخاصة بالشحنة الثالثة، لم يرد ذكرها في التقرير السنوي الصادر عن وزارة الزراعة للعام 2010، والذي يتضمن الأسمدة التي تمّ استيرادها ذلك العام والبلدان التي استوردت منها. هناك خرق واضح للقانون، ورغم أن الهيئة قالت في إعلانها إن التحقيقات "شملت وزراء زراعة سابقين ومسؤولين في الوزارة من مختلف الرتب والمهام خلال الفترة من 2007 إلى 2010"، ولكنها مع ذلك لم تحمّل المسؤولية لأحد". وبسؤال الهيئة عن ذلك، أكّد المصدر المسؤول أن هناك فعلاً "مخالفة قانونية"، قائلاً إن "المسؤول عن هذه المخالفة هم الموظفون في القسم المعني بالأسمدة في وزارة الزراعة، والذين لم يطبّقوا نص المادة التي تحظر إدخال أسمدة غير مسجلة مسبقاً في الوزارة، وقد أوصينا الوزارة بأن تشدد عليهم لتطبيق النص القانوني". وعند سؤاله عن الإجراءات المتخذة بحق هؤلاء، قال المصدر إنه "لن تكون هناك محاسبة لأحد، لأن هذه المخالفة شُمِلت بقانون العفو العام". يذكر أن وزارة الزراعة، في كتاب ردّها على الهيئة، ذكرت أن "تنسيبات مدير الأراضي والري، ورئيس قسم الأسمدة في مديرية الأراضي والري، وهما المعنيان بتسجيل الأسمدة والمخصّبات المستوردة، هو إدخال الشحنات الثلاث، وأن يتمّ تسجيلها وفحصها حسب الأصول قبل إدخالها". وبذلك، فإن تصريح المصدر المسؤول في الهيئة هو "تناقض" جديد يضاف إلى سلسلة التناقضات في هذه القضية.

[ الموقع لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة فيه. وإنما هي وجهات نظر أصحابها، ونحن نقوم بنشرها إيماناً منا بحرية الرأي وفتح نافذة للنقد البناء وتبادل الأراء.. ومن حق الزائر الكريم أن ينقل عن موقعنا ما يريد على أن يشير برابط الى موقعنا. ]

موقع إنترنت: www.poddcastnews.com - بريد إلكتروني : info@poddcastnews.com