 عمان تايمز - ماذا لو تركت هيئة مكافحة الفساد الشركات الفاسدة دون تحقيق وتدقيق ودون إحالة إلى الإدعاء العام؟ ماذا لو بقي الحبل على الغارب حيث الناس يبيعون ويشترون بناء على بيانات وإفصاحات مزورة أو بناء على دعوات للاكتتاب دون قيام الجهات الرقابية بإجراء اللازم؟ أيهما أفضل أن يعرف الناس المصلح من المفسد؟ أم أن يبقى المستثمرون يعيشون على وهم الشريك الاستراتيجي أم خدعة الشركات التابعة أم الافصاحات المضللة أم ... أن نرى الحقيقة المرة والمزعجة التي ربما أثرت على سوق المال في هذه الأيام بطريقة أو بأخرى؟ ولكن علينا أن نسمعها مهما كانت آثارها على المدى القريب صعبة؛ ولكن بالتأكيد علينا أن نتحمل هذه اللحظات المؤلمة إذا كنّا جادين في مطالبتنا بإصلاح حقيقي.
أكثر من 800 ملف مفتوح على طاولة البحث والتحقيق في هيئة مكافحة الفساد منذ بداية العام. جهود كبيرة تلك التي تقوم بها هيئة مكافحة الفساد والقرارات الأخيرة المباركة ستعيد الثقة إلى نفوس مئات الألوف من المستثمرين- سوءا من الأردنيين أو غيرها - الذين تزداد قناعتهم يوما بعد يوم بأن الحكم في هذا البلد – آجلا أم عاجلا – هو للقانون وأن لا أحد فوق القانون مهما طالت يده إلى المال العام أو طال الزمن وهو يعبث بالمال دون حسيب أو رقيب؛ هذه القرارات تعد خطوة مهمة في تعزيز دور القطاع الخاص في عملية الإصلاح الإقتصادي.
فقبل تحويل المتهمين بشبهات فساد بملايين الدنانير إلى الإدعاء العام، جملة من الإجراءات الإحترازية اتخذتها هيئة مكافحة الفساد لضمان عدم ضياع المال العام أو تهريب المتهمين خارج حدود البلد؛ وهذا بدوره أصبح ناقوس خطر بل كابوسا يلاحق كل من تحدثه نفسه بالتجرؤ على المال العام. كل هذا يعكس رؤية سليمة وخطى ثابتة تعمل وفقها هيئة مكافحة الفساد؛ فهي مكافحة شاملة :
تتضمن تدابير وقائية تحول دون حدوث أعراض جانبية تضر بالمشتكي؛ وتدابير تتيح للمشتكى عليه الحصول على محاكمة عادلة؛ وتدابير أخرى علاجية لضمان عدم ضياع الحقوق؛ وفي ذات الوقت ترسل هيئة مكافحة الفساد رسائل توعوية شديدة اللهجة ستحول بإذن الله من تكرار مثل هذه المخالفات والتجاوزات في مؤسسات أخرى. وخلافا لكثير من الدول العربية التي لا يمكن أن يتحقق الإصلاح فيها إلا إذا بدأنا من الرأس؛ فنحن نعيش في بلد لدى قيادته النية والامكانية والرؤية لتحقيق الإصلاح الحقيقي، ولكن وبكل صراحة الخلل في بلدنا يكون عند التنفيذ، حيث هناك صمامات مفتوحة وآبار فساد ليس لها قيعان.
فالاصلاحات الدستورية والحكومات البرلمانية والمجالس النيابية أو البلدية المختارة وفق انتخابات نزيهة؛ لن تستطيع أن تقود البلد إلى بر الأمان وإلى الإصلاح الحقيقي الذي يحقق حياة كريمة للأردنيين إذا ترك الفاسدون يصولون ويجولون تدعمهم طغمة متنفذة تتوغل في المال العام.
فالفساد إن ترك دون محاربة حقيقية فسيفسد كل شيء. ومحاربة الفساد لا يكون على يد مؤسسات أو هيئات متخصصة فحسب وإنما لا ينجح ولن يكون له أثر ملموس إن لم يصاحبه حراك اجتماعي يشد على أيادي المصلحين الذين يحاربون الفساد ويقول للمحسن "أحسنت"، وليس فقط أن يكون الحراك الاجتماعي والإعلامي موجه فقط لابراز السلبيات والمطالبة بإسقاط فلان أو علان، فإن لم يجدوا فقد يطالبون بإسقاط وعد بلفور! وحيث أن القطاع الخاص يلعب في معظم الدول دورا كبير في توسيع قاعدتي الاستثمار والتوظيف والمساهمة بشكل رئيسي إلى جانب الحكومة في تنمية الناتج المحلي الإجمالي، وانطلاقاً من التبدل الجوهري في السياسة الاقتصادية العامة للدولة، والتي نتجت عن بدء دخول الأردن في شراكة حقيقية مع الدول الغنية في المنطقة، وهذا بدوره يتطلب أن يفتح المجال للقطاع الخاص ليمارس دوره في تحقيق التنمية الاقتصادية للبلد؛ فهذا يستلزم تطهير هذا القطاع قبل تطويره لأنه يعكس صورة الأردن في الخارج، ولن نفلح أبدا لا في جلب مستثمرين ولا في بناء قواعد الإنتاج ومرتكزات التصدير إذا بقيت شركاتنا المساهمة العامة تدار بفكر عائلي اختلط فيها المال العام مع المال الخاص؛ ولهذا جاءت قرارات هيئة مكافحة الفساد الأخيرة على موعد مع حاجة الوطن للإصلاح الحقيقي. وتسألني لماذا تفشل الخطط والاستراتيجيات التي نسمعها كل يوم من منظري الحكومة حول سبل تحقيق الاصلاح، بل كيف تنجح ما دام الفاسدون يصولون ويجولون:
منهم من حكم عليه القضاء بالفساد، ومنهم من ينتظر لتقرأ عليه لائحة الاتهام بشبهات الفساد التي يغرق فيها في الصباح، وفي المساء من نفس اليوم يقوم بافتتاح فعاليات رسمية باسم الوطن! فحين يعود المال العام الذي نهب، وبعد أن يلقى الفاسدون عقابهم، عندها تعود الثقة إلى نفوس المستثمرين وعندها تنفعنا الاستراتيجيات الوطنية والرصانة المهنية ونثق بـ "رجال الأعمال".
وهذا يجعلنا نتيقن بأن تغييرات جذرية أصبحت وشيكة وملحة في رؤية وهيكل وآليات عمل الجهات الرقابية. بدأنا نلمس هذه التغييرات الإيجابية في بعض المؤسسات الرقابية مثل دائرة مراقبة الشركات، ولكن لا زلنا ننتظر تغييرات مماثلة في مؤسسات أخرى لا زال الغبار يتراكم فوق رفوفها وأزلامها. |