المخابرات والولاية العامة
عمانن تايمز" _ يخطئ البعض بأنّ رئيس الوزراء يجب أن يكون وصياً على المخابرات، أو بما يُعرف بالولاية العامة، ومن يطالب بذلك ويدعو له، فهو واحد من اثنين، إمّا أن يكون جاهلاً بالمهام الموكلة بالمخابرات، وإمّا أنّه لا يعرف الواقع الذي يعيشه، وفي كلا الحالين فهو ملام أهوج.
المخابرات العامة هي التي تملك الولاية العامة الحقيقية على كل مفاصل الحياة بأنواعها، وهذه من المهام الموكلة لها، ومن تسميتها يجب أن نعرف ذلك، فهي عامة غير خاصة، يهمّها أيّ معلومة مهما كانت، ويهمها مراقبة الأمور في الدولة مهما صغرت، حتى ولو كان ذلك انتخابات جمعية خيرية أو ديوان عشائري أو طلاب جامعة أو مراقبة ردّة فعل الناس عن أيّ رأي أو موضوع سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو حتى زراعي.
وفي الدرجة الأولى، وبعد كل تلك المهام الموكلة للمخابرات فإنّ الدور الأكبر أهمية هو حفظ النظام، وأقصد هنا نظام الدولة من أيّ حزب أو خطر أو اعتداء أو فكر. ولا يستثنى أيّ أحد من المراقبة الشديدة حول تلك المهمة، حتى ولو كان ذلك الشخص ولي العهد أو من طبقة الأمراء. ودليل ذلك، البطيخي حينما لازم الملك حسين، غفر الله له، طيلة فترة غيابه في الولايات المتحدة أثناء مرضه، وقد كلّف البطيخي من يُدير الأمور في عمان، ولذلك فإنني لم أفاجأ، وقد كنت وقتها في نيويورك حينما شاهدت البطيخي مع كلينتون على محطة الـ CNN وهما يدخلان سويا على الملك الراحل، ويجتمعون به قبل أن يأتي إلى عمان ويحدث ما حدث.
المخابرات ركن أساسي يشترك مع النظام في الثبات وإدارة الولاية العامة، ومعاداة المخابرات كدائرة لها هذا الثقل الرئيسي يُعتبر نوع من العبث الصبياني الذي لا طائل منه إلاّ مزيد من الاحتقان والتعقيد. وعلى الأحزاب أن تعي جيداً أنّ عليها أن تعترف بدائرة المخابرات العامة، وتتعامل معها دون تقزز أو استهجان. فكما هي محمومة ومتلهّفة للوصول إلى الملك ومحاورته، فإنّه يجب عليها أن لا تنسى أنّ الملك شريك إستراتيجي للمخابرات لا غنى له عنها بأيّ حال، فهما يشكّلان بوتقة واحدة اسمها النظام الأردني. وإنّ الإصلاح المأمول المرجو لن يأت أكله ولن ير النور أصلاً إلاّ بعد تمريره بحيثياته ونقاطه وتفرعاته على الدائرة.
الذي أقوله هذا هو واقع حقيقي وليس ضرباً من ضروب الخيال، ولا أظن أنّ هناك مانع من التحاور إذا كان الهدف الوصول إلى نقطة التقاء.
كلمة أخيرة أقولها وحسابي على الله، رغم الأخطاء التي وقعت فيها دائرة المخابرات في التعامل مع الناس في الماضي، ورغم ما ترتّب على هذه الأخطاء من نتائج سلبية وأخرى ماحقة، إلاّ أنّ المخابرات ستظل جزءاً لا يتجزأ من نسيج النظام الذي لا يمانع أحد في الوصول إليه والتحادث معه، والتفريق بين النظام والمخابرات صعب التحقيق، بل هو عين المستحيل، فعلى الأحزاب أن تدرك ذلك، وعلى رأسها الحركة الإسلامية، ففي ذلك توفير كثير من الوقت والجهد والوصول إلى النتائج بأسرع حال. وبعكس ذلك فإنّ رؤوساً كبيرة سيطاح بها لتلتحق برأس المأسوف على شبابه عون الخصاونة.
|